حواء وقصة الخلق
خلق الله الكائنات جميعا ثم خلق آدم بعد أن عاث الجن فى الأرض فسادا.. خلقه من طين الأرض ثم نفخ فيه من روحه وعلمه الأسماء جميعها.. إلا أنه استوحش، أى شعر بوحدة... ويختلف الفقهاء إن كان قد استوحش وهو فى الجنة أم بعد خلقه مباشرة.. المهم أنه استوحش وشعر بوحدة ولَم يكن سعيدا.. وهنا نتوقف لنسأل: كيف لآدم قبل أن يعلم بوجود حواء وأنها ستأتى من صلبه استوحش.. إذن خلق الله آدم وبالتالى البشر وهم لا يستطيعون تحمل الوحدة، غريزة البشر تحتاج للآخر. نحن بحاجة لوجود نصفنا الآخر فى حياتنا.. أى آخر؟ من يكمل روحنا، والدليل أن الله سبحانه عرض على آدم الحيوانات كلها ولَم تؤنسه.. كان بحاجة إلى من يؤنس روحه.. لقد خلق الله الرجل والمرأة من روح واحدة، وبالتالى يستوحش أحدهما دون وجود الآخر الذى يكمل روحه.. ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾- (سورة الروم).
خلقكم من نفس واحدة.. أى أن الأصل أن لكل نفس زوجا، وخلق سبحانه روحا واحدة قسمها إلى رجل وامرأة، ومن هنا جاءت فكرة توأم الروح التى يُؤْمِن بها كثيرون حول العالم، والتى كان يُؤْمِن بها الفيلسوف أفلاطون.. وإن كانت كلمة توأم روح غير دقيقة، فالأصح روح واحدة مقسومة إلى اثنين.. ولكنى سأستخدم توأم الروح لسهولتها فى الفهم.. كان من الممكن لله بقدراته اللامتناهية أن يجعل آدم يتكاثر بأى طريقة.. أن يخلق آدم آخر من طين.. ولكنه اختار سبحانه آن يخرج كائنا من ضلعه أى جزء منه كى يشعر بها وتشعر به. ولأن الأساطير اليهودية مليئة بقصص تحط من قدر المرأة، فهناك أسطورة ظهرت وانتشرت فى القرن الثالث الميلادى عن أن الله سبحانه قبل حواء خلق امرأة أخرى من الطين تشبه آدم سمّاها «ليليث» أرادت أن تتساوى مع آدم فى كل شىء، فلم يتفقا، فهجرته وتزوجت إبليس، فخلق الله سبحانه حواء من ضلعه الأيسر وروحه كى تكون جزءا منه وقريبة من قلبه. وبما أن الأسطورة تبقى أسطورة ما دامت لم تذكر فى القرآن الكريم إلا أنها تؤكد نظرية الروح الواحدة والنفس الواحدة التى خلق منها آدم وحواء أولا، وبقية البشر ثانيا، لأن الله فى آياته عن النفس الواحدة لم يذكر اسم آدم بل تحدث فى العموم، مما يعنى أنه ينطبق على كل البشر.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [11] - (سورة النساء).
وخلق سبحانه المصور البديع كائنا يختلف فى تكوينه الفسيولوجى عن آدم.. وأسماها حواء لأنها من الحياة وستكون جالبة للحياة.. هى منتهى الكمال لأنها خلقت من ضلع حى.. وهى نهاية الخلق.. أى أن الله سبحانه ختم بها المخلوقات.. تقول الأحاديث إن آدم كان نائما عندما أخرج الله سبحانه حواء من ضلعه، فتح عينيه فوجدها أمامه وأحبها فورا.. فلماذا خلق كل واحد مختلفا عن الآخر؟ لأننا من روح الله حقا، ولكن الكمال له وحده.. لأننا يجب أن نشعر بالاحتياج للسكن مع الآخر، ولأن توأم روحنا هو من يؤنس الوحدة، هو من نمنحه المودة هو من نكون رحماء معه... ليس كل زوج وزوجة آدم وحواء.. قد لا يلتقى بعضنا بتوأم روحه أبدا لأنه ببساطة لم يبحث عنه.. فما تبحث عنه يبحث عنك.. والمحظوظ الذى يحظى بتوأم روحه عليه أن يكون لها أرضا صلبة، أن يكون لها آدم كى تكون له سكنا.. تكون له حواء.