امنعوا بناتكم من التعليم

امنعوا بناتكم من التعليم

ممنوعٌ على المرأة أن تخرج من بيتها للتعلّم. ولا، طبعًا، أن تخرج من بيتها لتُعلّم غيرها، إذا ما فاض اللهُ عليها من علمه ونوره ووهبها عقلا نَيّرًا. هذا ما أقرّه الداعية الإسلامي الشيخ محمد شوقي. وأضاف أن «المرأة لا تُعلّم إلا أبناءها، وزوجها، وفقط. زوجها؟!» كيف يُعلّم ناقصُ العقلِ كاملَه يا شيخ؟! هذا سؤالي للشيخ الجليل. ولكنه قد سبق بالإجابة حين قال في تصريحه إن دليله على جواز تعليم المرأة لزوجها هو أن إحدى الصحابيات قد قالت لزوجها وهو خارج من البيت: اتقّ اللهَ فينا، ولا تُطعمنا حرامًا! فاعتبر فضيلتُه أن هذا القول الطيب من زوجة لزوجها هو غايةُ التعليم ومُنتهى الدرس!! 
لن أتكلّم عن أحادية التفكير التي جعلت الشيخ يسمح بتعليم المرأة للزوج بسبب تلك الواقعة الجميلة، التي لو لم تحدث لا قدّر الله، أو لو حدثت ولم يعلم بها الشيخُ، لكان حرّم أيضًا نصيحةَ الزوجة لزوجها باتقاء الله! هذا هو «الحفظ» دون التقاط «روح» الفكرة. إن كانت صحابيةٌ ما قد طلبت من زوجها عدم التأخر عن موعد الغداء مثلا، لكان الشيخُ قد أخبرنا بجواز أن تطلب كلُّ نساء الأرض هذا الطلب من زوجها، وإن لم تحدث الواقعةُ، فلا يجوز ذلك! لن أسأل الشيخَ عن السيدة عائشة- رضي اللهُ عنها- التي علّمت المؤمنين أربعين عامًا بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن الإجابةَ جاهزة: ما يجوز لزوجات الرسول لا يجوز لغيرهنّ من النساء! وكأن اللهَ قد خصّهن بعقل حرم منه نساء الأرض كافة! لن أسأل الشيخ عن مريم الإسطرلابية عالمة الفلك السورية التي لولاها ما عرفنا البوصلة التي يهتدي بها الملاحون في عرض البحر، ولن أسأله عن ستيتة البغدادية، عالمة الهندسة والجبر التي لولاها ما عرفنا حجوم البنايات وعلم الكميات والمواصفات في الشأن المعماري، ولن أسأله عن ماري كوري، عالمة الفيزياء البولندية التي لولاها ما عرفنا البولونيوم والراديوم وعلم الإشعاع الذي أنتج عشرات المخترعات والعلاجات الطبية، وبالطبع لن أسأله عن هيباثيا، عالمة الرياضيات المصرية الإغريقية التي تكلم عنها كارل ساجان، في كتابه كوزموز، (الكون)، قائلا: هيباثيا هي البريقُ الأخير في شعاع العلم الساطع على العالم من مكتبة الإسكندرية، ولو أن المجالَ يسمح، لذكرتُ له مئات النساء اللواتي غيّرن وجه التاريخ، وأعدن تشكيل خارطة العلم والأدب والفلسفة والفنّ، ولن أطلب من الشيخ إلقاء نظرة على نتائج الثانوية العامة، خلال السنوات الماضية ليكتشف كيف تتفوق البناتُ على البنين في المواد العلمية، وغير العلمية، وأرجو ألا يصدمه هذا! لن أسأله تلك الأسئلة، لأن الشيخ قد أجاب سلفًا بأن خروج المرأة من بيتها للتعلّم أو للتعليم يتسبب في الفتن. ذلك أن المرأة في نظره، ونظر أضرابه من الوهابيين ليست إلا «مركز غواية متنقّل» تثير الفتن والشهوات، أينما حلّت وحيثما وقع خطوُها!
وهنا، يتحتم عليّ أن أشكر وزارة الأوقاف، التي لم تعبأ بتلك الترهات العنصرية الذكورية، وفتحت الباب للواعظات لتدريس علوم الدين في المساجد المختلفة على مستوى الجمهورية، لأن المرأة المسلمة لا تستحي أن تسأل امرأة غيرها في أمور دينها ودُنياها، على عكس ما تشعر به مع الوعّاظ الذكور. 
مازلنا، للأسف، غارقين في اللغو العنصري الأجوف الذي دمّر مظلة الإنسانية حين نقول: «الرجل أعلى من المرأة- العربيُّ أكرم من الأعجمي- المسلمُ خيرٌ من غير المسلم» بينما العالم المتحضر يتقدم بثبات وهدوء دون حتى أن يعبأ بالتوقف برهة ليقول لنا: «نحن نخترع ونصنع، وأنتم تستهلكون، وتملأون الدنيا ضجيجًا أجوفَ».