اين نحن المصريات من مسيرة التونسيات ؟

اين نحن المصريات من مسيرة التونسيات ؟

يحتفل العالم بلغة الأم، يوم ٢١ فبراير من كل عام، الذى مر علينا منذ أيام مرور الكرام، لم نسمع له صوتا فى خضم الضجيج الإرهابى، الذى يرتدى ثوب الأديان، ويدعى أنه صوت الرب الذى شطب اسم «الأم» من الذاكرة والتاريخ، وأصبح الابن يخجل من النطق باسم أمه بصوت مسموع، فكيف يكتبه إلى جوار اسمه وأبيه.

 

فى بعض البلاد قامت الثورات ضد قهر الأمهات منذ تأثيم حواء، وسقوط إلهة المعرفة إيزيس المصرية، ضرب البوليس المظاهرات بالنار، لكن الشعب الإسبانى انتصر فى استعادة شرف الأم واسمها، وأصبح رئيس الحكومة يحمل اسم أمه، واختفت وصمة الأطفال غير الشرعيين فى إسبانيا وبعض البلاد الأخرى فى الغرب والشرق، تمت المساواة الكاملة بين الجنسين ومنها حق النسب، أصبح أطفالهم جميعا شرفاء دون استثناء، يحملون اسم الأب والأم معا، أو اسم الأم وحدها، أو يتم اختيار اسم آخر للطفل أو الطفلة، كما شهدت فى أندونيسيا، كانت رئيسة المؤتمر المسرحى التى دعتنى لجاكرتا، تنادى ابنتها باسم من ثلاث كلمات «أنا أحب الحرية» ليس اسم أمها ولا أبيها.

كان الشعب البنغالى، رائدا لاستعادة لغة الأم، إذ خرجت المظاهرات، نساء ورجالا، يوم ٢١ فبراير عام ١٩٥٢ فى باكستان الشرقية (بنجلاديش حاليا) تنادى بلغة الأم البنجالية، فى مواجهة الاندثار تحت غزو لغة الأوردو، سقط الشباب بالرصاص، وانتصر الاستعمار البريطانى مع حكومة باكستان على الشعب بإراقة الدماء، وتم فصل بنجلاديش عن باكستان يوم ٢٦ مارس ١٩٧١، وكان قد تم تقسيم الهند ذاتها فى مأساة دموية كبرى، فصلت المسلمين عن أمهم الهندية، سقط فيها آلاف القتلى، واغتصبت آلاف النساء المطرودات من الهند، وبقرت بطون الحوامل المغتصبات فى الطريق إلى باكستان، تحت اسم الشرف الذكورى، والتخلص من آلاف الأطفال مجهولى الأب.

خطة الاستعمار الداخلى والخارجى، التفريق بين الأفراد والشعوب، تلعب ورقة الدين السلاح الأقوى فى العملية، كان التفريق التاريخى الأول بين الأم وأطفالها، اغتصبت السلطة الأبوية حقوق الأمهات بالحديد والنار، بما فيها حق النسب والولادة، أصبح الأب هو الوالد، الذى يلد المرأة قسريا من ضلعه، أو من رأسه، واختفت الوالدة اسما وجسما، واختفت لغة الأم تحت اسم الأب كما حدث للأطفال، وفرض قانون السخرة على الأمهات والزوجات تحت اسم الأمومة والفضيلة، أصبح عملهن فى البيوت والحقول والمصانع بالمجان واختفى من الإحصاءات والأذهان، لم يعد لعمل المرأة قيمة مادية أو أخلاقية أو سياسية، وفرض قانون الطاعة العمياء على النساء، لكن الثورات الشعبية لم تتوقف منذ نشوء السلطة الأبوية لاستعادة حقوق الأم، سبقت تونس جميع البلاد العربية فى هذا المجال، وفى ١٠ مارس هذا العام ٢٠١٨ سيخرج الشعب التونسى، نساء ورجالا، فى مسيرة كبيرة، يطالبون بمساواة المرأة بالرجل فى الإرث، بعد أن تمت المساواة القانونية الكاملة بين الجنسين، ولم يبق أمام المرأة التونسية إلا المساواة فى النسب، واستعادة شرف الأم واسمها المندثر.

 

تحاول شعوب العالم، يوم ٢١ فبراير، من كل عام، استعادة لغة الأم المندثرة، كما فعل شعب بنجلاديش فى ثورته منذ ستة وستين عاما، وأصبح يوم ٢١ فبراير، هو يوم لغة الأم العالمى، تحتفل به الأمم المتحدة، لكنه تحول إلى مهرجان أو شعار فارغ، مثل أغلب شعارات الأمم المتحدة، يتم تفريغها من معناها بقوة الدول الاستعمارية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التى تتحكم فى قرارات الأمم المتحدة بأموالها وأسلحتها النووية، وتشجع الدول العسكرية الاستعمارية، مثل إسرائيل، على خرق قرارات الأمم المتحدة، ترعى منظمة اليونسكو الاحتفال بيوم «لغة الأم العالمى» فهل نجحت فى استعادة شىء من حقوق الأمهات؟ أو من حقوق الشعوب المسلوبة مثل شعب فلسطين؟

 

منذ الطفولة كنت أنطق لغة أمى، التى تغيرت بدخولى المدرسة، أصبحت أتكلم فى البيت بلغة، وفى المدرسة أتكلم لغة أخرى، الازدواجية سمة القهر والاستغلال، وكنت أكتب اسم أمى مع اسمى فوق كراستى، حتى ضربنى المدرس بالمسطرة، وشطب اسم أمى بالقلم الأحمر، أصبحت أكتب اسم أبى وأبيه «السعداوى» الذى مات قبل أن أولد، واندثر اسم أمى وهى على قيد الحياة، وفى كلية الطب كان التدريس باللغة الإنجليزية، التى لم أتقنها أبدا كما أتقن لغة أمى، أصبح الإنجليز يتفوقون لمجرد إتقانهم اللغة، ورفضت الجامعة المصرية الاعتراف برسالتى للدكتوراه فى الطب النفسى، لمجرد أننى كتبتها باللغة العربية، وكانت دراسة ميدانية أساسا، تشمل مقابلاتى مع مريضات لا يعرفن إلا لغة الأم، ثم نشرت رسالتى فى كتاب بعنوان «المرأة والصراع النفسى» كان أكبر انتشارا وتأثيرا من درجة الدكتوراه الأكاديمية، خاصة فى تونس، حيث أصبح هذا الكتاب ضمن كتبى المقررة بمناهج التعليم بالمدارس.

بالأمس جاءتنى الدعوة من تونس، للمشاركة فى المسيرة الكبيرة يوم السبت ١٠ مارس المقبل، من أجل المساواة الكاملة بين الجنسين فى الميراث، لم يبق أمام التونسيات إلا المساواة فى النسب، فأين نحن المصريات من نساء تونس، ولنا تراث مجيد، امتلكت فيه الأم المصرية شجرة المعرفة والعلم والأدب والشرف والنسب والإرث، بالإضافة إلى صولجان الحكم.