تغيير حال المراة

تغيير حال المراة

فى حديث منذ أيام للسيدة مايا مرسى رئيسة المجلس القومى للمرأة ربطت بذكاء بين ثلاث قضايا: التنمية، وحصول المرأة على حقوقها، ومواجهة العنف والتطرف. تصريح ذكى ينم عن خبرة وفهم، ولاسيما أن صاحبة التصريح لها باع فى قضايا التنمية والمرأة، وتدرك مغزى الكلام. 

الصورة التقليدية للمرأة، التى أنتجها الاستعمار البريطانى، تقدم المرأة «المستضعفة» و«البائسة» و«المهمشة»، التى تتصدر أغلفة التقارير الدولية ببؤسها، ومظهرها المنتهك. هذه المرأة هى ضحية، ولا يمكنها أن تكون فى صدارة المحاربين ضد العنف والإرهاب. وبالتالى فإن الصورة الصحيحة التى ينبغى أن تكون عليها «المرأة»، هى المواطنة الممكنة، التى لديها عوامل القوة، والتواصل، القادرة على التغيير، وهو ما لن يتحقق إلا إذا قمنا بتغيير السياق الاجتماعى والاقتصادى الذى توجد فيها المرأة... تغيير يحدث من خلال التنمية، وليس سواها. حين تصبح المرأة مواطنة فاعلة، تمتلك مقدرات اقتصادية، تستطيع أن تواجه التهميش والفقر، وتتجاوز حالة الاستضعاف، وتدرك مصادر القوة فى ذاتها. 

هذه هى الإشكالية. لن تتغير وضعية المرأة بالحديث الدائم عن «حقوق المرأة»، أو الخطاب «النسوى» الحاد، ولكن من خلال تغيير المجتمع ذاته، ومشاركة المرأة ذاتها فى صنع هذا التغيير. هذا ما نطلق عليه التنمية. انتشال المرأة من الفقر والتهميش، أسوة ببقية مكونات المجتمع، التنمية رحلة تحرر للإنسان ليس فقط من العوز المادى أو الشعور بالاستضعاف النفسى ولكن أيضا من الشعور بالتهميش والانزواء فى الظل، وعدم القدرة على مواجهة الفساد، والعنف، والاستغلال. 

من هنا فإن الربط بين التنمية وحقوق المرأة ومواجهة العنف ــ الوجه الأبشع للاستغلال ــ هو مقاربة واقعية وذكية، وليست سطحية أو خيالية على النحو الذى ظل الخطاب النسوى يردده لعقود دون أن يكون له مردود على أرض الواقع من ناحية، ومن ناحية أخرى ساعد على نشر مزاعم الجهات والأفراد التى تقف حائلا أمام حقوق المرأة بالحديث الدائم عن «اغتراب» هذا الخطاب، وانفصام ارتباطه بالواقع الذى نعيش فيه. 

إذا أردنا أن نُخرج أى مواطن، بصرف النظر عن النوع أو الموقع الجغرافى أو المعتقد الدينى، من دائرة التهميش المفرغة ينبغى أن نضعه فى قلب العمل التنموى. هذا ما فعلته الدول التى قامت بتجارب تنموية رائدة مثل البرازيل وجنوب إفريقيا وكثير من الدول الأسيوية فى مقدمتها الهند، المسألة ليست مساعدات اجتماعية تقدم للشخص المهمش بحيث تبقيه على الحياة، وتبقى على تهميشه فى آن واحد، ولكن المطلوب هو التغيير الذى ينقل الشخص من الظل إلى الضوء، وهو ما يتحقق من خلال التواصل مع موارد المجتمع الاقتصادية، وتغيير الذهن من خلال التعليم والثقافة والتدريب، تسليط الضوء على أصوات الفئات التى توصف بالتهميش، وتوفير أشكال دائمة لمشاركة الأفراد سواء فى لجان أو روابط أو هيئات مثل نجده فى روابط المزارعين أو الصيادين أو منتجى سلع معينة، وربطهم بحركة الانتاج والتسويق، وهو ما يتحقق من خلال الشراكة بين منظمات المواطن – أو روابط المجتمع المدنيــ والحكومة، والقطاع الخاص.